أنا أخطئ إذن أنا موجود - مدونة أحمد همام أنا أخطئ إذن أنا موجود | مدونة أحمد همام -->

أنا أخطئ إذن أنا موجود

الخطأ هو ما يقع فيه الإنسان نتيجة الإهمال أو قلة الحرص، أو نتيجة التقصير في أداء عمل ما، وإذا كان الخطأ
يتدرج من الخطأ الجسيم إلى اليسير، فإنها كلها تصنيفات تدل في النهاية على التقصير عن قصد أو دون قصد تجاه أفعالنا وأعمالنا.

وقد ينتج أحيانًا من قلة التركيز نتيجة التكليف بإنجاز أعمال متعددة في وقت واحد عندها يقع الخطأ دون قصد أو تعمد. وتحكمه عدد من العوامل مثل ضيق الوقت، أو قلة الانتباه وعدم التخصص وقلة الخبرة.

ولست هنا بصدد تصنيف الأخطأ أو عواملها أو الظروف المحيطة بها، ولكني أشير إلي الحالة النفسية والظواهر المجتمعية المصاحبة لمن يقوم بالخطأ – وهو أمر طبيعي ما دمنا بشرًا –  وذلك في ثلاثة نقاط رئيسة:

·        حتمية وقوع الخطأ.

·        انكار الخطأ يفوت فرصة التعلم.

·        إلقاء اللوم على الآخر  كنوع من الأسقاط النفسي.

 

أولًأ: حتمية وقوع الخطأ:

إذا كان الفعل يدل على الفاعل، فإن وقوع الخطأ يدل على أن هناك فاعل قام بفعل هذا الخطأ، وهذا يقودنا إلى عنوان هذا المقال بنظرة فلسفية بحته: "أنا أخطيء إذن أنا موجود"، فلا يمكن لشخص لا وجود له أن يقوم بخطأ ما.

وكل البشر في ممارستهم لحياتهم اليومية، يقومون بارتكاب أخطاء تتفاوت من البسيطة إلى الأخطاء التي يحاسب عليها القانون، لذلك سعت كل الديانات السماوية والقوانين الوضعية إلى وضع معايير للأخطاء ودرجاتها بدءًا من قانون حمورابي، والحضارة الفرعونية وصولًا إلى العصر الحديث تحت مسميات مختلفة، مخالفات إدارية  ومالية وقانونية أو حتى صحية، إضافة إلى ما تُحرمه الأديان السماوية وتعتبر الوقوع في محرماتها تجاوزًا صارخًا. ولا ننسى الأعراف والتقاليد التي تعتبر مخالفتها خطأ كبيرًا يجلب على فاعله اللوم وإنكار المجتمع لأفعاله.

وما دمنا في ديمومة وحركة دائبة وسعي لا ينتهي إلا بوفاتنا، فإن ارتكاب الأخطاء وارد لا محالة. والقرآن والسنة النبوية بيّنا لنا أن الخطأ من طبيعة البشر، ولو لم نخطئ لأبدلنا الله بغيرنا، وبين لنا ماذا نفعل عند وقوع خطأ ما، ومن المؤكد أنه ليس من تعاليمهما المسارعة بإلقاء اللوم على الآخر.

واستشهد بمقولة صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي،: «اعملوا ولا تخشوا الوقوع في الأخطاء، فأنا لا أعاقب إنساناً لأنه أخطأ، بل على العكس من ذلك، فالخطأ عندي هو مؤشر العمل، ومن لا يخطئ بالضرورة لا يعمل، لكن هناك شرطاً واحداً، ليتعلم كل منكم من خطئه".

وكما قال الرئيس الأمريكي الراحل ثيودور روزفلت "الرجل الوحيد الذي لا يرتكب أية أخطاء هو ذلك الرجل الذي لا يقوم بأي شيء على الإطلاق".

فإذا كانت الأخطاء هي شئ ملازم لنا في ممارساتنا اليومية، فليس أقل من أن نجعلها دافع لنا للتعلم والاستفادة منها، والعمل على عدم تكرارها في المستقبل، لنسير على دروب النجاح بخطى ثابتة.

 

ثانيًا: إنكار الخطأ يفوت علينا فرصة التعلم:

"أنت تتعلم من أخطائك"

إن من يسارع بإنكار ارتكابه خطأ ما، إنما يهتم بالدرجة الأولى بالهروب من المسؤولية وتحمل نتيجة أفعاله أمام نفسه ومجتمعه، ولكنه في الوقت نفسه يحرم نفسه دون قصد من فرصة التعلم من أخطاءه.

يقول الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار "الحقيقة العلمية هي خطأ تم تصحيحه" ويعتقد أن الخطأ هو أساس التعلم، ولولا الخطأ ما أدرك الطالب الصواب.

كما يعتبر علماء التربية أن بيداغوجيا الخطأ هي إحدى وسائل التعلم، ويعرفونها بأنها عملية منظمة وممنهجة تقوم على أساس أن الخطأ استراتيجية للتعليم والتعلم.

لذلك فإن الشخص الذي يتهرب من أخطائه  سيظل شخصًا يعيش على هامش الحياة قليل الخبرة والتعلم، لا يستفيد من تجاربه وأخطاءه ويهرب دائمًا إلى الإمام حتى لا يجد أمامه من سيلقي اللوم عليه.

لذا علينا الانتبهاه إلى كيفية التعلم من أخطائنا والاستفادة منها لا التمادي والإمعان فيها ، وتجنب سبل الوقوع فيها مرة أخرى.

إن إدراكنا لمفهوم الخطأ والتعلم من أخطاءنا يجب أن يغير من نظرتنا للخطأ كطريق للتعلم ورقي النفس البشرية.

 

ثالثًا: إلقاء اللوم على الآخر  كنوع من الأسقاط النفسي :

إلقاء اللوم على الآخر هي حالة  فسرها علماء علم النفس بأنها: مرضية ونوع من الاسقاط النفسي على الآخرين ليتحملوا أوزاره ونتيجة اخطاءه.

يقول سيجموند فرويد - مؤسس التحليل النفسي- : "يشير الإسقاط أولًا إلى حيلة لا شعورية من حيل دفاع الأنا بمقتضاها ينسب الشخص إلى غيره ميولاً وافكاراً مستمدة من خبرته الذاتية يرفض الاعتراف بها لما تسببه من ألم وما تثيره من مشاعر الذنب".

ويرى كارل يونغ - مؤسس علم النفس التحليلي - أن القاء اللوم على الآخر ظاهرة نفسية تبدو كمتلازمة إنسانية في أوقات ارتكاب الأخطاء أو وقوع الكوارث نتيجتها: " توجه الإنسان نحو الخارج ومحاولته إلقاء اللوم على الآخر". ، فاللًّوْم دافع نفسي عميق الجذور لحماية الذات، يجعلنا نملك فاعلية أكبر لحماية الذات، ونتجنب الاعتراف بالمسؤولية الشخصية. 

إن من يدمنون على إلقاء اللوم على الآخر، ويرون أنهم  منزهون عن الخطأ، ولا يمكن أن يخطئوا بأي حال من الأحوال، وإنما الآخر هو من يخطيء دائمًا ويجب عليه أن يتحمل نتيجه افعالهم.  يصلون إلى حالة نفسية مرضية تنتشر مظاهرها وآثارها في بعض المجتمعات خوفًا من المحاسبة أو توجيه اللوم؛ وتستدعي بلا شك جلسات للعلاج السلوكي المعرفي.

إن من يعاني من مثل هذه الحالة المرضية عليه أن يتقبل حقيقة ضعفه واعترافه بخطئه فليس العيب ان يخطئ أو يقصر الإنسان في فعل ما، لكن العيب كل العيب هو اسقاط هذه الفشل والخطأ على الآخرين.

إن من يمارسون أسلوب الاسقاط النفسي على الآخرين سواء بوعي وادراك منهم أو بغير ذلك فإنهم يحرمون أنفسهم من التعلم من أخطاءهم، وجل ما يفكرون به هو الهروب من تحمل المسؤولية.

إن ارتكاب الأخطاء وارد الحدوث ما دمنا في حركة وعمل دائيبن، ولست أدعو هنا إلى التهاون في ارتكاب الأخطاء، ولكني أشير إلى الأخطاء التي تحدث بعد انتباهنا واجتهادنا وأخذ كل الوسائل المتعارف عليها لتجنب الوقوع فيها، ويحدث الخطأ لظروف خارجة عن إرادتنا.

تُرى كم كلفنا إلقاء اللوم على الآخر من مأسي وأحزان للآخرين؟! وكم تسبب في لوم أناس أبرياء؟! بسبب أشخاص يترفعون عن الاعتراف بأخطائهم، ويرون أنفسهم منزهين عن الخطأ.

ولنتذكر دائمًا إن من لا يعمل لا يخطئ، ومن لا يخطئ لا وجود له، وبما أن الفعل يدل على الفاعل، والخطأ يدل على فاعله، اخلص إلى مقوله:  أنا أخطئ إذن أنا موجود.


جميع حقوق الطبع والنسخ والنشر محفوظة للكاتب

TAG

هناك 3 تعليقات

  1. مقال عميق يدعو إلى تصحيح النظرة الاجتماعية للخطأ
    شكرا لكاتبنا العزيز

    ردحذف
    الردود
    1. الأستاذ الدكتور خالد توكال، لك كل التحية والتقدير، وتعليق حضرتك شهادة اعتز بها

      حذف
  2. مقال عميق يدعو إلى تصحيح النظرة الاجتماعية للخطأ شكرا جزيلا لكاتبنا العزيز

    ردحذف

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *