البيروقراطية الإلكترونية - مدونة أحمد همام البيروقراطية الإلكترونية | مدونة أحمد همام -->

البيروقراطية الإلكترونية


قد يبدو اسم المقال غريبا بعض الشيء، فمن المفترض أن لا مكان للبيروقراطية في ظل أنظمة الإدارة الإلكترونية الحديثة، ولكن ماذا يحدث لو طور البيروقراطي من نفسه لتكريس النموذج البيروقراطي في الإدارة بما فيه من تعقيدات وغموض للإجراءات وغياب للشفافية في نظم الإدارة الإلكترونية؟!
تشغل الإدارة حيزًا كبيرًا من اهتمام الشركات والمؤسسات بل وحتى الدول، وذلك في سعيها للاستغلال الأمثل لجميع الموارد البشرية، المادية، والمالية، بل وحتى المعلوماتية لتحقيق أهدافها بأقصى درجات الكفاءة و الفعالية من خلال تحديد الأهداف والأولويات والعمل على تنمية القدرات والكفاءات البشرية بهدف الارتقاء بمستوي الخدمات والمنتوجات، وتحقيق الرفاهية لأفرادها وللمجتمع. وتتعدد نماذج ونظريات ومدارس الإدارة من المدرسة الكلاسيكية والسلوكية إلى المدخل الكمي أو النظرية الكمية، وصولًا إلى وجهات النظر الحديثة في الإدارة مثل (نظرية النظام، ونظرية الإدارة بالأهداف، والنظرية الموقفية، ونظرية الإدارة اليابانية، وإدارة الوقت. في محاولة لتقديم النموذج الأفضل لتحقيق أهداف الشركات والمؤسسات. فكان أن قدم ماكس فيبر (المدرسة الكلاسيكة) النموذج البيروقراطي في الإدارة.
 ويحاول هذا المقال تناول البيروقراطية الإدارية في ظل تطبيق نظم ومفاهيم الإدارة الإلكترونية الحديثة خاصة في الدول الغربية، وبعض الدول العربية وظهور مفاهيم الحكومات الذكية، والإدارة الإلكترونية التي بات من الصعب معها الاعتماد على البيروقراطية كنموذج من نماذج الإدارة وإن كان لها الفضل في مرحلة تاريخية معينة اهتمامها بالتخطيط والتنظيم. فلماذا يصر البعض على اتباع أساليب البيروقرواطية  حتى في ظل نظم الإدارة الإلكترونية الحديثة؟!
رغم أن علماء الإدارة يقرون بأن نموذج ماكس فيبر في الإدارة (البيروقراطية)  واجه صعوبات جمة في الانتقال من النظرية إلى التطبيق، فإنهم يرون أنه لم يعد النموذج الأمثل في الإدارة الحديثة التي أضحت تهتم أكثر بالمتغيرات البيئية والاهتمام بالعنصر البشري الإنساني باعتباره عاملًا ومتعاملاً، فنجد من نتيجة هذا التطور ظهور مفاهيم إدارة سعادة العاملين في المؤسسات والشركات وسعادة المتعاملين معها.
لم تعد البيروقراطية تجد لها مكانًا في كثير من المؤسسات الحديثة، مع وجود الكثير من السلبيات التي وجهت للنموذج البيروقراطي والتي مثلت عائقًا أمام التقدم ومواكبة التغيرات وأصبحت مشكلة تواجه الأجهزة الإدارية التي تعتمد النموذج البيروقراطي في إدارة مؤسساتها. فهي قد أهملت العامل البشري واعتبرته مجرد آلة، وتناست العلاقات والمشاعر الإنسانية والاجتماعية والدوافع النفسية والمعنوية فقياس أداء الموظف يعتمد على مدى التزامه بالقوانين والنظم واللوائح المنظمة للعمل فقطـ دون الاهتمام بجودة الإنتاج، والابداع والابتكار الذي صار منهجًا تتبعه معظم المؤسسات الحديثة في الإدارة. فضلًا عن اعتبارها نموذج مغلق لا علاقة له بالبيئة الخارجية. فافرزت نمط المدير (الروتيني) الذي يهتم بالقوانين والأنظمة والتعليمات في ظل غياب واضح للاهتمام بالانتاج والعمل، وغياب الاهتمام بالعاملين ومبادراتهم والاهتمام فقط بما هو مدون على الورق ومحاضر الجلسات والاجتماعات دفعًا للمسؤولية. الأمر الذي نتج عنه الكثير من التحفظ والغموض والسرية في المؤسسة تجاه العاملين وبالتالي غياب الرؤية والأهداف والشفافية.
ولكن ماذا يحدث إذا انتقلت البيروقراطية إلى الإدارة الإلكترونية الحديثة في الشركات والمؤسسات الخاصة؟
إن اعتماد نظم الإدارة الحديثة على الإدارة الإلكترونية، وعلى الشفافية ونظم الاتصال والتواصل الحديثة،  والاهتمام بالعنصر البشري، فضلًا عن الاهتمام بالبيئة الخارجية المحيطة، وتقليص الإدارة البيروقراطية أو التخلص منها، نقلت هذه الشركات إلى مصاف الشركات العالمية واتاحت لها فرص البقاء بل والمنافسة والتطور المستمر نحو إيجاد الأفضل، وارتقت بمفاهيمها نحو إسعاد العاملين فيها والمتعاملين معها. فكان أن ظهرت مراكز إسعاد المتعاملين وهو ما يمثل أقصى درجات النجاح والرضى للأفراد والمجتمع.
الآثار السلبية للبيروقراطية على الابداع والابتكار:
إذا كان الإبداع هو القيام بشيء ما بطريقة جديدة غير مألوفة، فإن الإبداع الإداري هو "القدرة على تقديم إجابات فريدة لمشكلات مطروحة واستغلال الفرص المتاحة"، أما الإبداع الابتكاري فيشير إلى التطوير المستمر للأفكار والنظريات الموجودة سابقًا. وتولي الكثير من الدول حاليًا أهمية خاصة بالإبداع والابتكار، وتعمل على استقطاب المبدعين والمبتكرين، وتعمل على تهيئة البيئة المناسبة والدعم الذي يعزز من المنافسة البناءة،  وتشجيع العاملين على الإبداع والابتكار، ويكفي أن المؤسسات أو الشركات التي تتبع المنهج السابق في تشجيع موظفيها ستحظى بفرص أكبر في المنافسة بفاعلية وكفاءة.   وفي دراسة قام بها "عبد الرحمن بن أحمد الهيجان بعنوان (معوقات الإبداع في المنظمات السعودية – 1999) أشار إلى أن "البيروقراطية بآلياتها وأشكالها المختلفة وما يرافقها من جمود وتعقيدات واتباع حرفي للوائح والقوانين، اضافة إلى عدم وضوح الأهداف كل هذا يقف عائقًا في وجه الإبداع والابتكار".
إن الإتجاه نحو الإدارة الإلكترونية الحديثة بما حققه من فوائد كثيرة ملموسة على مختلف الأصعدة، يتواكب مع التطور المستمر والمطرد للمجتمعات البشرية، تبعه تخلي شبه جماعي عن النموذج البيروقراطي (التقليدي).  ليبقى السؤال دائمًا وابدًا يعيد نفسه مرارًا وتكرارًا ماذا لو تأقلمت البيروقراطية مع نظم الإدارة الإلكترونية الحديثة واخترقت بنيتها ونظمها؟!
ولست أتعجب من محاولة النموذج البيروقراطي التشبث بالحياة وهو في الرمق الأخير، ولكني أتعجب أشد العجب من  من المدراء البيروقراطيين الذين يحلمون بإحياء هذا النموذج في ظل تطور أنظمة الإدارة الإلكترونية الحديثة، غافلين أو غير مدركين للتغيرات البيئية من حولهم.
فنجدهم وللأسف الشديد يرسخون للنموذج البيروقراطي حتى في ظل استخدام الإدارة الإلكترونية، وكأن الأمر لا يعدو التحول من استخدام الإجراءات التقليدية وعشرات المعاملات الورقية إلى استخدام الأنظمة الإلكترونية الحديثة، فتظل نفس الإجراءات والتعقيدات إلكترونيا، ولكن بدون أي معاملات ورقية. فيجعلون التحول إلى الإدارة الإلكترونية مجرد مفهوم للتوفير والتخلي عن استخدام المزيد من الأوراق فقط.
ماذا لو نقلت البيروقراطية التقليدية بطء الإجراءات وكثرتها، والجمود الفكري الذي فرضه النموذج البيروقراطي في الإدارة، وكثرة اللوائح والنظم إلى بنية الإدراة الإلكترونية؟ إن حدث ذلك فسيعد التفافًا على مفهوم الإدارة الإلكترونية الحديثة، وينعكس سلبًا على الإنتاجية قياسًا بمتغيرات مثل الكم والجودة والوقت وبالتالي يبقى التهديد بتقليل فرص تلك المؤسسات والشركات في البقاء والمنافسة وبالتالي إلى إنهيارها وإن اتبعت نظم الإدارة الإلكترونية.
إن التحول من النظام التقليدي البيروقراطي إلى الإدارة الإلكترونية الحديثة يستلزم معه تطويرًا في مهارات من يتعاملون مع الإدارة الإلكترونية، لضمان التخلص من مظاهر التعقيدات والإجراءات البيروقراطية خاصة المدراء والموظفين الذين يتخذون اليبروقراطية منهجًا، وإن لم يحدث ذلك فإن الأمر لا يعدو كونه أكثر من تزامن تطور النموذج البيروقراطي مع تطور الإدارة الإلكترونية ويستمر التطور في حلقة مفرغة وتجاذب بين البيروقراطية التقليدية، وبيروقراطية الإدارة الإلكترونية.

جميع حقوق الطبع والنشر والنسخ محفوظة للكاتب

تم الاستعانة بعدد من المراجع في كتابة هذا المقال منها:
1-      م.م. عبد الستار إبراهيم دهام، التنظيم البيروقراطي إزاء الفكر الإداري المعاصر: إطار نظري،  ، بحث منشور في مجلة جامعة الأنبار للعلوم الاقتصادية والإدارية (2008).
2-      د. سيد سالم عرفه،    اتجاهات حديثة في إدارة التغيير،  مكتبة نور، 2012.
3-       د. رندة اليافي الزهري، الإبداع الإداري في ظل البيروقراطية، مجلة عالم الفكر، العدد 3 مجلد30ـ  2002.
4-     سايح ابتسام، علاقة الإدارة الإلكترونية بالحكم الراشد، رسالة ماجستير،  جامعة أكلي محند أولحاج – البويرة -2018.


TAG

هناك تعليقان (2)

  1. موضوع في بالغ الأهمية هل المقصود يا أستاذي الفاضل هو تحويل العمل الإداري إلى عمل و نظم إلكترونية

    ردحذف
  2. معظم الأعمال الإدارية الآن في مرحلة الانتقال إلى نظم العمل الإلكترونية، ولكن قصدت بأن ينقل الموظف الذي تعود على البيروقراطية التقليدية بكل ما فيها من تعقيدات وطول إجراءات إلى نظم العمل الإلكترونية، بمعنى آخر لم نستفد من نظم العمل الإلكترونية وكل ما حدث هو استعاضة الأوراق بنظام إلكتروني فقط، المطلوب هو الاستفادة من هذه النظم لتسهيل الإجراءات واختصارها

    ردحذف

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *