ومن التميز ما قتل - مدونة أحمد همام ومن التميز ما قتل | مدونة أحمد همام -->

ومن التميز ما قتل


عرف معجم اللغة العربية المعاصرة تميز الشيء بأنه: (امتاز، اختلف عن سواه بعلامات فارقه) وتميز الرجل  بأنه: (انفرد عن غيره بصفة أو عمل عُرف بها واشتهر)، وبالتالي يمكن القول بأن أي جهد أو عمل أو سلوك ينفرد به الشخص عن أقرانه في العمل أو الدراسة يعتبر تميزًا،  فالتميز قد يكون أكاديميًا أو وظيفيًا أو حتى سلوكيًا على مستوى الأفراد، ويعتبر التميز سمةً إيجابية ومهارة يمتلكها بعض الأفراد.

رغم أن التميز قد يكون شيئًا إيجابيًا، إلا أنه أحيانًا أخرى قد يكون القاتل الصامت؛ الذي يقتل طموح الإنسان!
وقد نشاهد في حياتنا اليومية أمثلة كثيرة على تميز قتل طموح صاحبه؛ فمثلًا قد يقوم أحد الأندية الرياضية بشراء لاعب متميز في أدائه ليس لأنه في حاجه إليه، ولكن لكي لا تصل إليه الفرق المنافسة الأخرى مما قد يمثل تهديدًا مستقبليًا على هذا النادي، فيقوم بشراء اللاعب رغم عدم حاجته إليه، ورغم وجود من هو أفضل منه في الفريق، وسرعان ما نجد الإهمال يغزو طموح اللاعب ويحطم آماله، فلا يحسن النادي استخدام مهاراته، ويضعه على "دكه الاحتياط" ولا يلعب إلا قليلًا، فيكون تميزه سببًا في قتل طموحه والحلم بالوصول إلى قلوب الملايين من المشاهدين.
وعندما تجد في بلد ما أن المتميزون من أصحاب الكفاءة والخبرة يغادرون بلا عودة، بحثًا عن من يقدر خبراتهم وكفاءاتهم، عندها ندرك فقط أن التميز والخبرة التي يمتازون بها كانت وبالًا عليهم في بلادهم، لقلة الاهتمام بهم وتقديم الدعم لهم، الأمر الذي قد يجدونه في أي دولة أخرى تقدر خبراتهم وكفاءاتهم فيغادرون بلا عودة.
كذلك قد نشاهد عامل أو موظف يؤدي عمله باتقان ومهارة عاليه تميزه عن الآخرين، هذا العامل في نظر صاحب العمل يعتبر كنزًا وثروة، كيف لا وهو رجل المهام الصعبة الذي توكل إليه العديد من المهام لإنجازها، ولكن بدلًا من تقديره وترقيته إلى مشرف عمال مثلًا، يظل هذا العامل في مكانه بدون ترقية تذكر، لأنه إذا ما تمت ترقيته خسر صاحب العمل انتاجيه هذا العامل، فيكون تميز العامل قاتل لطموحه في الحصول على أي ترقية أو علاوة.  
إن العامل أو الموظف المتميز سينقل معه تميزه إلى أي درجة وظيفة يُرقى إليها، ويُحَسن بلا شك من أداء الأقسام والإدارات التي سوف يعمل بها، ولكن قصر نظر البعض يؤدي إلى نتائج كارثية بالنسبة للعامل، وتثبيط للهمم وقتل طموحه في الحصول على أي مكافأة أو الترقي إلى درجة وظيفية أعلى.
البيئة الصحية للعمل:
إن مختلف المؤسسات والشركات تعمل على إيجاد نظام تحفيزي للموظفين، وتسعى لخلق بيئة صحية للعمل من خلال وضع معايير لقياس الأداء ليثاب الموظف المتميز على أدائه، وربط هذا الأداء بنظام الترقيات والمكافأت بما يشجع على التميز في الأداء. إذا ما طبق ذلك فيمكن الإشارة إلى أن هناك بيئة صحية تساعد على التميز. وهذا مؤشر جيد يمثل نقطة  التقاء المصالح بين العامل أو الموظف وبين صاحب العمل أو المؤسسة، تؤدي بلا شك إلى تحسن الإنتاجية وتحقيق التطور في المؤسسة.
أما إذا كان واقع الحال غير ذلك، فسيكون تميز العامل أو الموظف وبالًا عليه، ففي ظل غياب بيئة صحية للعمل سيظل العامل أو الموظف المتميز يعمل في مكانه عشرات السنين دون أن يرقى أو يكافأ على حسن أدائه وتميزه في العمل، وسيظل الهاجس دائمًا: "لا يمكن أن يرقى العامل المتميز لأي درجة أخرى لأنه لا يوجد من يقوم بعمله على الوجه الأكمل مثل ما يفعله الآن"، وسيظل سنوات طوال في مكانه دون ترقية، أو دون مكافأت أو تقدير، رغم تميزه وتفانيه في العمل، فيكون تميزه سببًا وعائقًا أمام تطوره الوظيفي وقتل طموحاته. عندها يمكن القول  إن من التميز ما قتل.

جميع حقوق الطبع و النسخ والنشر محفوظة للكاتب 

TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *