فن صناعة الأعداء - مدونة أحمد همام فن صناعة الأعداء | مدونة أحمد همام -->

فن صناعة الأعداء

من المعتاد أن نسمع أو نقرأ كتابًا أو مقالًا عن كيف تكسب الأصدقاء، فهو ما يسعى إليه الجميع، الأمر الذي يتطلب جهدًا وتقديم تنازلات أحيانًا، أو اكتساب مهارات تساعدنا في كسب الأصدقاء، وبما أنه تعرف الأشياء بأضدادها؛ كان لا بد من تناول موضوع فن صناعة الأعداء.
وهذا المقال يحلل كيف يقع بعض منا في أخطاء تجعل من صناعة الأعداء فنًا سواء بوعي أو بدون وعي، ورغم أن بعض العلماء قد ارجعوا أسباب العداء لعدد من النظريات تعتمد على:
1-      أسس بيولوجية (ترى أن ظاهرة العداوة تعدو إلى سبب تكويني في خلق الإنسان وجسمه، فهي حتمية بيولوجية)،
2-     نظريات سيكولوجية (تعتمد على الغريزة العدوانية خاصة عند تعرض الفرد لعملية إحباط تعوق إشباع حاجاته).
3-     نظرية التعلم الاجتماعي (فتعتمد على أن السلوك البشري يكتسب من خلال ملاحظة النماذج السلوكية، بمعنى أن السلوك العدواني هو سلوك مُتَعلم من خلال ملاحظة الآخرين الذي يقدمون نماذج لهذه العدوانية)، وأميل شخصيًا لهذه النظرية فسلوكنا وتصرفاتنا تجاه بعضنا البعض تعتبر نماذج نقدمها للآخرين سواء كانت سلبًا أم أيجابًا.
وتُصنف عوامل العداوة إلى عاملين رئيسيين:
عوامل خارجية: لا يقصدها الفرد ولها عدة أسباب:
1-     النجاح والتميز الذي يحققه شخص ما قد يتسبب له في إثارة العداوة ( الحسد – الغيرة ...)
2-     التنافس بين الأفراد قد يتسبب أيضًا في إثارة العداوة.
3-     تضارب واختلاف المصالح.
4-     عداوة بين الأقارب بسبب المكانة الاجتماعية داخل العائلة الواحدة أو خلافات تتعلق بالإرث والزواج.

عوامل داخلية:
وهي نتاج لتصرفات الفرد بوعي أو بدون وعي وهي ما سنركز عليه في هذا المقال، لأن الكثير منا قد يتسبب لنفسه باكتساب عداوات بتصرفات وسلوك مقصود أحيانًا وغير مقصود أحيانًا أخرى ولكنه يؤدي إلى نتيجة حتمية وهي اكتساب وانتشار العداوة بين الناس.

1-              الظلم:
الظلم طبيعة بشرية متأصلة في النفوس، وهو مجاوزة الحد ووضع الشيء في غير موضعه وإيقاع الأذى بمن لا يستحق، ومما لا شك فيه أن الظلم يورث العداوة والبغضاء بين الناس، لذلك نهت عنه الديانات السماوية، وجرمته القوانين الوضعية. وهو من أسرع أسباب كسب العداوات، وركن أساسي لفن صناعة الأعداء، وتنشأ علاقة بين طرفين (الظالم والمظلوم) ولن يهدأ المظلوم حتى ينال الظالم عقابه. والظلم عادة يرتبط بالجهل بعواقب الأمور، ومن أهم أسبابه ضعف الوازع الديني والأخلاقي، وغياب الضمير والشعور بالأمان من عواقب الظلم.

2-              الجهل بعواقب الأمور:
ولا أقصد بالجهل هنا الشخص الذي لم ينل حظًا من التعليم، بل قد يكون الظالم حاصلًا على أعلى الشهادات العلمية، ولكنه جاهلًا بعواقب الأمور، أو بمعنى آخر غاب عنه التمييز بين الخير والشر، وركن إلى ما يملك من قوة أو نفوذ (قانون الغاب)، يرجى مراجعة مقالي بعنوان: (الإنسان أصله قرد https://www.a-hamam.com/2019/07/blog-post_12.html ).
إن الجهل والاستهانة بالآخرين وعدم معرفة قدراتهم؛ يؤدي إلى تكبر الطغاة وزيادة جبروتهم، وسرعان ما يكتسبون عداوة الآخر.  مما يمثل  كارثة حقيقية بكل المعايير، والتاريخ الإنساني زاخر بالأمثلة (فرعون بجهله لعواقب الأمور، لم يقدر القوة الحقيقية لسيدنا موسى واستضعفه فحلت الكارثة عليه وعلى جيشه)، والأمثلة كثيرة لا يتسع المقام لذكرها.
 ولقد أشار صن تزو (Sun Tzu) في كتابه فن الحرب الذي يعد مرجعًا في إدارة الصراعات والحروب إلى أن : "عدم معرفة الآخر وعدم معرفة النفس هزيمة مؤكدة في كل معركة".

3-              البعد عن التواضع والتعالي على الآخرين:
إن التعالي على الناس والتكبر عليهم واحتقار أوضاعهم المادية أو مكانتهم الاجتماعية، واستغلال حاجتهم للمال أو العمل، واتخاذ الناس سخرة،  واساءة معاملة العمال الذين لهم حقوق وواجبات من المفترض أن يحميها ويكلفها القانون. ولكن في ظل غياب الضمير والرقابة تحدث الكثير من التجاوزات التي تكتسب عداوة الناس وتنتشر العداوة كانتشار النار في الهشيم.
ويرى علماء الاجتماع أن سوء التربية هو سبب هذا السلوك الاجتماعي الذي لا صلة لها بالقيم التربوية السليمة والسلوكيات الاجتماعية التي تربيهم على فضيلة التواضع وتدفعهم إلى التعامل مع الآخرين بالاحترام المتبادل، مما يكون له تأثير مباشر في قلة الترابط الاجتماعي بين الناس.
و من آثار التعالى والتكبر سوء معاملة الناس والغلظة معهم وأكل حقوق الناس بالباطل، وذلك لشعوره بألا أحد يقوى عليه، أو يستطيع الاقتصاص منه.

إهداء إلى من يتقن فن صناعة الأعداء:
إن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد حالة "اختيار" وليس" قرار" يتخذه من يتقن هذا الفن، يرجى مراجعة مقال الكاتب بعنوان : (اختيار أم قرار https://www.a-hamam.com/2017/03/blog-post_8.html)  فهو من يختار هذا الطريق سبيلًا للحياة،  فيستمتع بعذاب الآخرين معبرًا عن حالة سادية مرضية، تجعل كل من حوله يهابه ولكن في قراره نفسه يتمنى زواله.
شعرة معاوية
(لو أنّ بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إذا مدّوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها)، يضرب بها المثل في التعامل مع الناس ومداراتهم وأخذهم بالحكمة والحنكة، فيقول المرء متمثلا بها: "اجعل بينك وبينهم شعرة معاوية"،  فهو لم يفعل ذلك من ضعف ولكنها الكياسة وبُعد النظر.

يا من يتقن فن صناعة الأعداء، في تعاملك مع الآخرين اتبع سياسة شعرة معاوية  كن وسطيا، فإن كنت صاحب منصب أو صاحب تجارة أو صناعة تديرها فهناك قوانين تنظم وتحكم تلك العلاقات يكفي فقط اتباعها لتسير الأمور وفق قوانين محددة لا ظالم ولا مظلوم، وإن كنت ذو مال وجاه فلا تتعالى ولا تتكبر. وإن كان اختيارك غير ذلك فهنيئًا لك بأعداء لا تدري أيًا منهم سيكون سبب زوال ما تملك.

إن كان صناعة الأعداء فن لا ندرك عواقبه، إلا أن البعض منا يمارسه بوعي كامل منه أو بدون وعي، ويكفي أن من يسعى لاكتساب الأعداء أن يجد نفسه وحيدًا معزولًا، لا ناصر له ولا نصير حتى ولو بكلمة، وإن أخطر ما نخلص إليه هو: أن عدم ادراك عواقب اكتساب الأعداء يؤدي بلا شك إلى عواقب وخيمة.

 ولم اجد أفضل ما اختم به هذا المقال من الإجابة التالية والتي فيها تلخيص شافي وكافي، عندما سُئِلَ بعضُ شيوخ بني أمية ومحصِّليها عقب زوال الملك عنهم إلى بني العباس: "ما كان سبب زوال ملككم؟
 قال: إنا شُغِلنا بلذاتنا عن تفقٌّدِ ما كان تفقدُه يلزمنا فظلمنا رعيتنا فيئسوا من إنصافنا، وتمنوا الراحة منا، وتحومل على أهل خراجنا فتخلَّوا عنا، وخرُبت ضياعُنا فخَلَت بيوتُ أموالنا، ووثقنا بوزرائنا فآثروا مرافقهم على منافعنا، وأمضوا أمورًا دوننا أخفوا علمها عنا، وتأخر عطاء جندنا فزالت طاعتهم لنا، واستدعاهم أعادينا فتضافروا معهم على حربنا، وطلبنا أعداؤنا فعجزنا عنهم لقلة أنصارنا، وكان استتار الأخبار عنا من أَوكَد أسباب زوال ملكنا". (المسعودي أبو الحسن علي بن الحسن، مروج الذهب ومعادن الجوهر، دار الأندلس بيروت، الجزء 3 ص 228) نظر في (كتاب تاريخ الدولة الأموية ط 7- 2010 محمد سهيل طقوش).

وليسأل كل منا نفسه هل هو ممن يتقن فن صناعة الأعداء!؟

جميع حقوق الطبع والنسخ والنشر محفوظة للكاتب

TAG

هناك تعليق واحد

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *