بقلم أحمد همام
إذا كان السوق هو المكان الذي تلتقي فيه حاجة البائع
ورغبات المشتري، ويتم من خلاله تبادل سلع ومنتوجات تتنوع من الغذائية إلى الصناعية
بل وحتى الإلكترونية كالبرمجيات والتطبيقات الذكية، فإن مفهوم السوق يختلف حسب
المكان والزمان، فهناك أسواق تقام في المناطق النائية حيث يتفق عدد من الأشخاص على
الالتقاء في يوم محدد يسمى السوق بأسمه مثل "سوق الجمعة" أو "سوق
الأحد" وهكذا...
كما تختلف وتتنوع الأسواق من الواقعية بمفهومها المرئي
والملموس إلى الافتراضية على الشبكة العنكبوتية.
لكن السوق التي سوف اتحدث عنها قد تختلف في نوعها، ولكنه
لا تختلف عن آليات السوق المتعارف عليها. إنه سوق الحياة الذي يقام في كل يوم
وبصفة متكررة منذ بزوغ شمس ذلك اليوم وحتى ساعات متأخرة منه، نتداول ونعرض فيه
قيمنا وأخلاقنا وأحيانًا ضمائرنا.
يستيقظ الغالبية العظمى من البشر كل صباح، منهم من يذهب
إلى عمله، ومنهم من يذهب إلى متجره أو مصنعة أو حتى مزرعته، ومنهم من يملك تجارة أو صرافة. الصورة للوهلة الأولى هذا
ما نفعله بلا شك، ولكن هناك صورة أخرى مرادفة لأعمالنا، لا يدركها إلا القليل منا،
إنها سوق الحياة.
إن كل ما نقوم
به خلال عملنا أو تجارتنا أو حتى إدارة مصانعنا إنما هو سوق نعرض فيه أخلاقنا
وقيمنا، فنعامل الآخرين بما نمتلكه من قيم وأخلاق ولكن بأقدار متفاوته.
منا من يدرك قوانين هذا السوق فيحسن التجارة فيه، فلا
يغش أو يخدع، لا يأكل مالًا حرامًا، ولا يظلم ولا يعلو ولا يتكبر، يعامل الناس بما
يملكه من قيم وأخلاق قد يكون مصدرها الديانات السماوية، أو عادات وتقاليد مجتمعية،
أو حتى قوانين وضعية، أي كان مصدرها إلا أنه يجيد استخدامها فينال حب واحترام
الآخرين ويشارك رواد السوق خبراته، ويتبادل معهم أو قل يتاجر معهم بأخلاقه فينشر السعادة والسماحة بينهم، ويجلس مستمتعًا
بحصاد تجارته في هذا السوق اليومي، حب واحترام وتقدير الناس له، وتفقدهم والسؤال
عنه إذا غاب عنهم، وأولًا واخيرًا رضا الله وراحة الضمير، فتتم عملية العرض
والطلب، والبيع والشراء فيتحقق الربح في التجارة.
ومنا من يدخل سوق الحياة لا يجيد شيئًا، ولا يتسلح بأي
قيم أو أخلاق، ويتحايل على كل قانون، يجيد
فن النصب وخداع الناس، ويجعل مبدأه أن كل شيء مستباح، فيظلم ويسرق وقد يقتل أحيانا
لأجل حفنة من المال، بل ويبيع حتى لحوم البشر، لا يهتم بالآخرين وينظر إليهم على أنهم
مجرد فرائس ينتهز الفرصة تلو الآخري للإنقضاض عليها. لا يهتم إلا بنفسه ويجسد
الإنانية وحب الذات، يفرح رواد السوق إذا غاب عنهم، ويتجنبون ملاقاته اتقاء شره.
فتكون حصاد تجارته كراهية وخوف ويجني البغض وبعد الناس عنه، وينال غضب الله وكراهية
الناس فتتحقق الخسارة في التجارة.
هذا هو سوق الحياة نرتاده كل يوم دون أن ندرك مغزى التجارة
فيه، هي أعمالنا وحصاد ثمار أعمالنا التي نجنيها من خلال تعاملاتنا مع الآخرين وفي
ممارستنا لحياتنا وأعمالنا اليومية. فمنا من يربح ومنا من يخسر، ومنا من تتاح له
فرصة التجارة فيه في يوم جديد، ومنا من يخسر رصيده ويستبعد من السوق إلى الأبد.
وسواء ربحت أم خسرت في تجارتك، فقانون السوق يَحَكم
بأن يتم دفع الثمن، ربحًا كان أم خسارة، أليس سوق الحياة من أسواق التجارة يباع فيه كل شيء ويشترى؟!
جميع حقوق الطبع والنسخ والنشر محفوظة للكاتب
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق